قراءة في الومضة القصصية (فساد) الفائزة في
المسابقة الأسبوعية رقم 7 (أول الأوائل لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الحليم
الضحيك
فَسَادٌ
خَلَعَتهُ
البلاد؛ بقيت الأوتادِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(فساد) عنوان مرادف لكل كلمات: البغي، الإثم، الإباحية،
الاعوجاج، الاضطراب، الانحراف، البذاءة، الجنوح، الخطأ، الخلاعة، الخلل، الرداءة، السفاهة،
الضلال، الجدب، القحط، الفُجور، الضياع، الهلاك، السوء، الشر، التلف...
ـ (فساد العقل): حماقة، غباء؛ قالت (رحيمة بلقاس)
في ومضتها القصصية:
تخلف
نظفت بيتها، و نسيت عقلها.
ـ (فساد الطبع):
انحلال، خلاعة، فجور؛ قال الشاعر
أشرف مأمون في ومضته القصصية:
الوحل
جمعت
أموالها من الخطيئة؛ ورث أبناؤها سيرتها.
ـ (فساد الطعام): عفونة، تلف (لم يعد صالحا
للأكل)؛ أقول في ومضتي القصصية:
تلوث
أعدوا الطعام ليأكلوه؛ أكلهم.
ـ (فساد الرأي): خلل، اعوجاج، اضطراب، تردد؛ يقول الخليفة أبي جعفر المنصور:
إذا كنت ذا رأي فكن فيه مقدِمًا *** فإن فساد الرأي
أن تترددا
ـ (فساد الدهر)؛ يقول
المثل: (هل يُصلح العطار ما أفسد الدهر!.) و يضرب فيمن يحاول إصلاح ما لا يمكن صلاحه.
ـ (فساد الحس): اضطراب
وظائفي في الجهاز العصبي، و (فساد الجرح): تلوثه؛ يقول البحتري:
إذا ما
الجرح رم على فساد *** تبين فيه تفريط الطبيب
ـ (فسد الحال): اضطراب، خراب، خلل، تنازع، هلاك: يقول الحق في محكم التنزيل: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا
آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)
سورة المؤمنون الآية22
و في (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي):
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا﴾: في السماء والأرض، ﴿آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ﴾: غير الله؛ ﴿لَفَسَدَتَا﴾:
لخربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بين الآلهة.
ـ (فساد الأمة): سفاهة، ضلال؛ يقول الرسول
الكريم صلى الله عليه و سلم: "إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش".
يقول (عبد الرحمن الكواكبيّ): "الاستبداد
أصل لكل فساد".
فإذا ما ولجنا متن الومضة القصصية المعروضة؛
وجدنا الشطر الأول يبشرنا بأن الفساد: (خلعته البلاد)؛ فتعمنا حالة من السعادة و
الابتهاج، بورود هذا النبأ السعيد، الذي جاء في عبارة بليغة مكونة من كلمتين فقط:
ـ الأولى (خلعته): فككته و نزعته، عزلته، تبرأت
و تجردت منه...
ـ الثانية (البلاد): و مقصود بها الإجماع على
تلك الخطوة التي خطاها العباد، مكنيا عنهم بلفظ البلاد، باعتبار الشعب و الأرض، و
جميع مكونات الحياة؛ قد نزعوا عنهم خيمة (الفساد) التي جثمت عليهم، حتى كادت
تجثمهم:
يقول (أحمد محرم):
إن الشعوب إذا استمر جثومها *** جثم الردى من حولها
يترقب
فها هم جميعا قد احتشدوا ـ طبقا لما ورد في
الشطر الأول من الومضة القصصية المعروضة ـ و خلعوا خيمة الفساد؛ غير أن النهاية
المباغتة فاجأتنا بأنهم أغفلوا استكمال مهمتهم: فـ(بقيت الأوتاد)، و هو تعبير بليغ
مقصود به تجذر الفساد، و من ثم عاد الفاسدون يبثون سمومهم، و إفساد حياة الناس؛
يقول (محمد مهدي الجواهري):
عجباً تروم صلاح شعبك ساسة *** بالأمس كانوا أصل
كلِّ فساد
إن الومضة القصصية المعروضة اجتمعت فيها كل
عناصر هذا الفن الأدبي المبتكر، من تكثيف و مفارقة و إدهاش، و إيحاء، و نهاية
مباغتة، غير متوقعة، و رغم أن العنوان كان يشير إلى الفساد بشكل مفتوح ـ غير مُعرف
ـ (فساد)؛ غير أن المتن جاء معبرا عن نوع محدد منه، و هو ما يعيب هذه الومضة
القصصية، لكونها قصرت دلالتها على تأويل سياسي فقط، دون إتاحة المجال لتأويلات
غيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ الرب لم يخلق سوى الماء، لكن الانسان صنع الخمر.
(فكتور هوجو)
ـ عندما يأمن الموظف من العقاب؛ سيقع في الفساد،
و يسوم الفقراء سوء العذاب. (نجيب محفوظ)
ـ كل ما نرى في الأمة من فساد و ارتباك و فوضى و
تدهور نشأ من عدم شعور الفرد بالواجب. (أحمد أمين)
ـ إن فساد الأديان يجيء من تحولها إلى ألفاظ و مظاهر.
(محمد الغزالي)
ـ مكافأة الفساد لم تكن يومـًا سوى إطعام ديناصور
لا يعرف معنى الشبع. (ياسر ثابت)
ـ كلما وضع الإنسان المناصب نصب عينيه، يبدأ الفساد
في سلوكه. (توماس جفرسون)
ـ رغم أن الفساد من أمراض المناطق «الحارة»؛ فإنه
في بلادنا يتوطن في المكاتب «المكيفة». (جلال عامر)