قراءة في الومضة القصصية (هَجْر) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة الأسبوعية رقم 12 (أول الأوائل
لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهية إبراهيم
الشاذلي
هَجْر
احْتَضَنَتْ
صُورَتَهُ؛ وَخَزَهَا الحَنِين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (هَجْر): ابتعاد، ارتحال، افتراق، جفاء...
تقول (نازك
الملائكة):
و الحمام
الجميل قد هجر الأع *** شاش سأمان من وجوم السهوب.
و يقول (النمر
بن تولب):
أَجَزْتُ
إِلَيْكَ سُهُوبَ الفلاةِ *** وَ رَحْلي عَلَى جَمَلٍ مِسْفَرِ
فماذا فعلت
الحبيبة التي أضناها فراق الحبيب، و طول غيابه؟:
يجيبنا الشطر
الأول من المتن: (احْتَضَنَتْ صُورَتَهُ)، و هي الأثر الباقي منه، المحافظة عليه؛ يقول
(أمل دنقل):
(حبيب أذكره)
أكثر من تذكّري *** يا صورة لها على المرآة، لم تكسرِ.
ذلك الحضن
الدافئ المعبر عن حبٍ عميق؛ يقول (فاروق جويدة):
الحب أن تجد
الطيور الدفء في حضن المساء *** الحب أن تجد النجوم الأمن في قلب السماء.
(احتضنت
صورته) و لسان حالها ما قاله (يحيى السماوي):
قبلت حتى (صورته)
و كأنني *** قبلت من ورد المنى باقاتِ.
يقول (فكتور
هوجو): "في قلبي (وردة) لا يمكن لأحد أن يقطفها".
فهل ذلك الحضن
الدافئ و القبلات الحارة لصورته البهية بهاء وردة ندية؛ شفى غليلها، و روى ظمأها،
و أعاد إلى قلبها نبضه؟:
يجيبنا الشطر
الثاني من المتن، إجابة مركبة بلاغيا؛ باتساقها مع رمزية المشهد، الذي تمثل في
العلاقة الوثيقة بين الوردة (الصورة)، و (الشوك) مكنية عنه بصفة من صفاته (الوخز)،
كما شبهت (الحنين) بالكائن الحي الذي آلمه الهجر فقالت: (وَخَزَهَا الحَنِين)؛
يقول (إيليا أبو ماضي):
أحنّ إليه في
العشيّ و في الضحى *** حنين جاءه الشّوق داعيا.
يقول (محمود
درويش): "الحنين: هو مسامرة الغائب للغائب، و التفات البعيد إلى البعيد.".
ذلك الابتعاد
الذي قد يكون سعيا وراء الرزق؛ استجابة لما أوصانا به رب العزة سبحانه و تعالى في
محكم التنزيل (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ
النُّشُورُ) الآية 15 من سورة الملك.
و ما من مهاجر
ـ أيا ما كانت دوافع هجرته ـ إلا و تنتابه مشاعر الغربة، و الرغبة في العودة إلى
الحبيبة؛ يقول (أبو قطيفة):
و ما أخرجتنا
رغبة عن بلادنا *** و لكنه ما قدر الله كائن
أحن إلى تلك
الوجوه صبابة *** كأني أسير في السلاسل راهن.
يقول (خالد
خليفة): غرباء العواصم هؤلاء؛ يموتون بمرض الحنين هادئين.
و لسان حال
بطلتنا ـ على الشاطئ الآخر يردد ما قاله (عبدالله العتيبي): "رائحة رحيلك أيقظت
ذئاب الحنين، و وحدة لقائك من يقضي عليها".
ومضة قصصية
تميزت برومانسيتها، و تصويرها المشهدي البليع؛ فما أقسى وخز الحنين، الذي يحفر في
القلوب ملامح الحبيب، فيتحول النبض إلى طبول حب، و دفوف اشتياق؛ معلنة حالة الحرب
ضد الغربة و الهجر.
و لن يشعر بهذا
إلا من خاض التجربة؛ يقول (محيي الدين بن عربي): "من ذاق عرف"، و يقول
بيت الحكمة (للمتنبي):
لا يعرف الشوق
إلا من يكابده *** و لا الصبابة إلا من يعانيها.
ـ و يقول (أبو
فراس الحمداني):
نظري إلى وجه الحبيب نعيم *** و فراق من أهوى
علي عظيم
ما كل من ذاق الهوى عرف الهوى *** و لا كل
من شرب المدام نديم
و لا كل من طلب السعادة نالها *** و لا كل
من قرأ الكتاب فهيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوال مأثورة
ذات علاقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ استمع إلى
صوت الناي كيف يبث آلام الحنين يقول: مُذ قُطعت من الغاب وأنا أحنُ إلى أصلي. (جلال
الدين الرومي)
ـ تحن الكرام
لأوطانها حنين الطيور لأوكارها. (محي الدين الخطيب)
ـ إذا سقط
المطر؛ يتملكني حنين لا يوصف لأن أبكي. (عبد الرحمن منيف)
ـ يراها بعين
الشوق قلبي على النوى *** فيحظى، و لكن من لعيني برياها. (مهيار الديلمي).
ـ التذكار شكل
من أشكال اللقاء. (جبران خليل جبران)
ـ لذاتنا في
الشوق لا في الوصال. (يوسف غصوب)
ـ ليتني أملك من الشوق زهرة؛ أهديها لقلوبِ
سكنت مدن الحنين. (عبدالله العتيبي).