قراءة في الومضة القصصية (رياء) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة
الأسبوعية رقم 19 (أول الأوائل لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسن احمد العكيلي
رياء
تصدقوا عليه؛ فضحته الكاميرات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (رياء): و هو قرين النفاق (أن يكون الظاهر مخالفا للباطن)؛ فيقول الشخص ما
لا يعتقده، و يفعل ما لا يؤمن
به، و الأصل في كلمة (رياء) هو فعل
الشيء لـ(يراه) الناس (رياء و ادعاء و سمعة)، و ليس ابتغاء مرضاة الله؛ عن الرسول الكريم صلى الله
عليه و سلم أنه قال: (إن أخوف
ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: و ما الشرك الأصغر؟ قال الرياء).
و قد وصف رب العزة سبحانه و تعالى حال هؤلاء المنافقين؛ فقال في محكم
التنزيل: (يُرَاءونَ
الناسَ وَلاَ يَذْكرونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا) الآية 142 من سورة النساء.
و يقول بيت الحكمة:
ـ رياءٌ قديمٌ في الوَرَىْ شَقِيَتْ به ***
قبائلُ منهم جَمَّةٌ و شُعُوبُ.
و المدهش أن لفظ (رياء) يخدعنا بحرفية (الراء، و الياء): (ري)، ثم ما
نلبث أن نكتشف زيف الادعاء؛ فلا (ري) فيه و لا ارتواء؛ يقول (أحمد محرم):
ري الغليل و كل السعي خسران.
و بولوج متن الومضة القصصية المعروضة؛ نطالع
الشطر الأول منها: (تصدقوا عليه)، و معلوم أن (الصدقة): ما يعطى للفقير و نحوه من
مالٍ أو طعامٍ أو لباسٍ، امتثالا لقول الحق في محكم التنزيل: (إنما الصدقات
للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل
الله وابن السبيل فريضة من الله) الآية 60 من سورة التوبة.
فنحمد لهم صنيعهم، و نستدعي ما قاله رسولنا
الكريم صلى الله عليه و سلم عن الصدقة: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).
و يستمد لفظ (الصدقة) قيمته من (الصدق) في
القول، و الإخلاص في العمل، إخلاصا لا رياء فيه...
فهل جاء تصدقهم عن إخلاص قلب، و صدق نية،
متمثلين قول (مظفر النواب):
بدون التفاف و دون رياء *** و شرط يقال على خفية.؟:
قبل أن نطالع الإجابة؛ لا يفوتنا هنا أن نشير إلى اختيار الكاتب
لعبارة: (تصدقوا عليه) و لم يقل (تصدقوا إليه)، رغم أن فريضة التصدق (عليهم) هم، و
ليست (عليه)، و هو اختيار موفق؛ للدلالة على استعلائهم، و كأن ما تصدقوا به هو دين
(عليه).
و من ثم لم يفاجئنا الشطر الثاني من المتن
بعبارة:
ـ (فضحته الكاميرات)، و المعنى هنا أنهم أرادوا بتصدقهم الشهرة و
السمعة، و تقاضي الدين المعنوي الذي (عليه)؛ فسلطوا الأضواء، و نشروا الصور، و
شهروا بمن تصدقوا (عليه) ليشتهروا، و هم في غفلة عن فضيحتهم هم أمام الله، لقاء
ذلك الرياء؛ يقول (بدر شاكر السياب):
يا بؤس من فضح الإله *** و لم يزده سوى الهوان.
و هكذا تكون الومضة القصصية قد أدت رسالتها
الضمنية، معبرة عن تلك الصورة المهينة؛ كي يستدعي القارئ الصورة المضادة لها، المتمثلة
في الحكمة الشهيرة: (إذا صنعت معروفا فاستره، و إذا صنع معك فانشره)، يقول (السيد
الحميري):
من ذا بخاتمه تصدق راكعا *** فأثابه ذو العرش
عنه ولاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوال مأثورة ذات علاقة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ جائع يا قلبي المعروض في سوق الرياء. (أمل
دنقل)
ـ بائِع الكلمة فاقدها ما لَم يَقُلها خالِصةً
مُخلَّصة من كُل آفات الرياء و الادّعاء و التسلُّق. (سلمى مهدي)
ـ نلبس بين الناس ثوب الرياء *** و نحن في قبضة
كفّ القضاء
وكم سعينا نرتجى مهربًا *** فكان مسعانا جميعًا
هباء.
(عمر الخيام).