قراءة في
الومضة القصصية الفائزة بالمركز الأول في مسابقة أول الأوائل رقم 2 لعام 2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهية إبراهيم الشاذلي
عَزِيمَة
نَبَشَ الأَمَلُ بالكُهُوفِ؛ انْهَارَتْ جِبَالُ اليَأْسِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (عزيمة): إِرَادة, بَأْس، تَصْمِيم، شكِيمَة،
شِدَّة, قُدْرَة, قُوَّة, هِمَّة... و (عزائم الله): فرائضه التي أَوجبها، طبقا
لما ورد في الحديث الشريف: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَن تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يُحِبُّ
أَن تُؤْتَى عزائِمُه)، كما أن (عزائم القرآن): مقصود بها: الآيات التي يقرأها
الراقي على المرضى أو ذوي الآفات برجاء الشفاء ببركتها...
و إذا كان فعل (عَزَمَ) الشخص: قصد و نوى، فإن
(عزم الله) له: أي خلق له قوة و صبرا؛ تلك هي المعونة الربانية التي يهبها الله
لكل مستحق ممن لديه الهمة و الإرادة؛ يقول المتنبي: (عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي
العَزائِمُ...).
فهل تكفي النية، الاستعداد، و التصميم فقط
لتحقيق ما يصبو إليه أهل العزم؟:
ـ لقد رسم الحق في محكم التنزيل طريقا قويما تحدده
الآية 159 من سورة آل عمران: (فإذا عزمت فتوكل على الله).
و قد قال مصطفى صادق الرافعي: (الثقة بالله أزكى
أمل، و التوكل عليه أوفى عمل).
و أقول في توقيعي الأدبي: (الأمل بلا عمل؛
كالصلاة بغير وضوء).
فماذا (عمل) بطل الومضة القصصية التي حدثتنا عنه
ـ بلسان الراوي العليم ـ كاتبة هذا النص؟:
ـ (نبش الأمل بالكهوف)، لم تقل (نبش الرجل)، لكونها
تكتب أدبا ملتزما بالاستعارة المكنية؛ فقد شبهت (الأمل) بأنه إنسان يمكنه (النبش)،
وهنا قامت بذكر المشبه، و حذفت المشبه به (الإنسان)، مبقية على شيء من صفاته و هو (الأمل)؛
تلك الصورة الأدبية البليغة تحتاج أيضا إلى مزيد من تحليل ألفاظها:
ـ الأصل في كلمة (نبش): إبراز المستور, و كشف الشيء
عن الشيء؛ (نبش العقل): سبَره أو جسَّه لاستخراج المعلومات من خلال السؤال، (نبَشَ
الْمَاضِي): قام بإثارته، (نبش السر): عَرفَه و أَذاعه... فماذا عن (نبش الأمل بالكهوف)؟:
إن المتأمل في هذه العبارة يكتشف خطأ ـ غير
مقصود ـ وقعت فيه الكاتبة؛ نتيجة ارتباط حرف الباء بالكهوف و كأنها هي أداة النبش
في (الأمل)، و كان من المفترض أن تكون العبارة: (نبش الأمل الكهوف)، أو (نبش الأمل
في الكهوف)؛ و هو في الحالتين: ليس بحثا في (الكهوف) عن مستور، لكنه ـ طبقا
للنتيجة التي توصل إليها هذا (النبش) في الشطر الثاني من المتن (انْهَارَتْ
جِبَالُ اليَأْسِ)؛ هنا وجب التنبه للعلاقة القوية بين الكهوف و الجبال:
فـ(الكهوف) بيوت منقُورة في (الجبل)، تلك البيوت إذا سكنتها (الوحوش) يطلق عليها
(مغارات)، و من هنا يتضح المعنى المراد من (نبش تلك الكهوف) و هو تفريغها من
ساكنيها، و لما كان ذلك التفريغ يؤدي حتما لانهيار الجبل؛ تتضح جماليات تلك الصورة
الرمزية الموحية، برؤية مدهشة من منظور
علمي أيضا؛ فانهيار جبال اليأس؛ جاء نتيجة طبيعية لتفريغها من تلك الكهوف و
المغارات التي يعشش فيها: الإحباط، القنوط، الاستسلام, الإفْساد, التثبيط, التخييب،
يقول الشاعر أحمد محرم:
يرى شر ما تلقى (النفوس) من الأذى *** وقوف (ذويها)
بين يأس و إحجام.
لهذا:
(نَبَشَ الأَمَلُ الكُهُوفِ) فــ(انْهَارَتْ جِبَالُ اليَأْسِ).
تصديقا لبيت الحكمة لابن الرومي:
إذا ضاقت على (أمل) (نفوس) *** فما ضاقت على (عزم)
سبيل.
و لا يتبقى أمامنا إلا أن نشير إلى تلك المقابلة
الرائعة بين شطري النص؛ فضلا عن تلك الصورة البلاغية في (انهارت جبال اليأس)، و هي
صورة جامعة لبلاغة الاستعارة المكنية في (انهار... اليأس)، و التشبيه البليغ في
(جبال اليأس).
و هو ما جعل هذه الومضة القصصية تلقى إعجابا و
تقديرا، و تحقق كاتبتها عنها المركز الأول في المسابقة رقم 2 من مسابقات (أول
الأوائل) لعام 2019.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوال في الأمل لها علاقة بالموضوع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ من يمتلك الصحة يمتلك الأمل، و من يمتلك الأمل
يمتلك كل شيء. (توماس كارليل)
ـ الآمال العظيمة تصنع الأشخاص العظماء (توماس أديسون)
ـ هناك من يتذمر لأن للورد شوكاً، و هناك من يتفاءل
لأن فوق الشوك وردة. (جبران خليل جبران)
ـ يصبح الانسان عجوزاً حين تحل الأعذار محل الأمل.
(جون ناريمور)
ـ أكبر القتلة: قاتل الأمل. (راجي الراعي)
ـ يسهل خداع الشباب لأنهم يستعجلون الأمل. (أرسطو)
ـ ما رأيت شيئا ككثرة الجدل يحبط الأمل و يهلك العمل.
(أمين نخلة)
ـ ثلاث يساعدن على تحمل مشقات الحياة: الأمل و النوم
و الضحك. (كانت)
ـ الإنسان دون أمل كنبات دون ماء، و دون ابتسامة
كوردة دون رائحة، و دون إيمان بالله وحش في قطيع لا يرحم (يمان السباعي)
ـ العقل القوي دائم الأمل، و لديه دائما ما يبعث
على الأمل. (توماس كارليل)
ـ لا قيمة لحياتنا إذا فقدنا الأمل في حياة أفضل.
(توفيق الحكيم)
ـ (الأمل) ليس حلماً، بل طريقة لجعل الحلم حقيقة.
(عمار يوسف حمود)