قراءة في الومضة القصصية (وهم) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة
الأسبوعية رقم 21 (أول الأوائل لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الحليم الضحيك
وهم
أبحر بسفينة الأمنيات؛ أغرقه الواقع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (وهم): شك،
ظن، غفلة... و لما كان كل (وهم) يحمل في طياته خداعا؛ فقد شبهه (إيليا أبو ماضي)
بالسراب:
كان زمان كنت
تستأنسين *** بكلّ وهم خادع كالسراب.
و يعزي الطب
النفسي (الوهم) إلى تشوُّه يحدث للحواس؛ تشوه في حاسة البصر (خداع بصري)، تشوه في
حاسة السمع (أوهام سمعية)، أو تشوه في حواس اللمس، الشم، التذوق... و هكذا؛ يقول (عبد
الرحمن صالح العشماوي):
و من الوهم ما
يكون جميلاً *** في نفوسٍ، إِحساسُها مقتولُ.
هذا عن (الوهم)؛
فماذا عن (التوهم)؟:
(التوهم): توسم،
توقع، تخيل...؛ يقول (محمد خضر):
توهم الحقيقة
مثل حرش في المخيلة...
و (توهم فيه
الخير): توسمه، و تبين أثره فيه.
ـ و من ثم تكون
(الحقيقة) ضد (الوهم)، أما (الواقع) فهو ضد (التوهم أو التخيل).
فهل تحدثنا
الومضة القصصية المعروضة عن (الوهم) أم (التوهم)؟:
يقول الشطر
الأول:
(أبحر بسفينة الأمنيات)؛ و هو تصوير
بليغ يعبر عن حالة توسم في تحقيق رغبات مرجوّة، و أمنيات مبتغاه.
يقول (فاروق
جويدة):
لا تلمني إن
جعلت العمر أوتارا تغني *** أو أتيت الروض مثل النبع منساب التمني.
فماذا كانت
نتيجة (إبحاره بسفينة الأمنيات)؟:
ـ (أغرقه الواقع).
يا لها من
مقابلة رائعة بين شطري النص: (الإبحار/ الغرق)، (الأمنيات المرجوة/ الواقع المخيب
للآمال)
لقد استطاع
الكاتب ببراعة أن يصور حالة يأس و قنوط و إحباط، يشعر بها كل متطلع إلى مستقبل
أفضل، في ظل واقعٍ بئيس؛ فجاء النص موجِها رسالة ضمنية، تستنهض الهمم و العزائم؛
اتساقا مع ما أكد عليه (أحمد شوقي):
و ما نيل
المطالب بالتمني *** و لكن تؤخذ الدنيا غلابا.
و لا شك أن
العديد من كتابنا سبق أن تناولوا موضوع (الوهم) في ومضات قصصية عديدة نذكر منها
على سبيل المثال:
ـ الوهم: ركب
أمواج الوهم؛ ارتطم بصخرة الحقيقة. (أيمن خليل)
ـ وهم: خافتْ الموت
عطشا؛ رسمت قوارير ماء. (لبنى السحار)
ـ وهم: فارقها،
ما زال ينتظر رسائلها المفعمة بالحب. (شهر زاد)
ـ وهم: حرث
البحر ليزرعه أماني؛ غرقت أحلامه. (زين العابدين حيدر)
ـ وهم: تسابق
وحده؛ فاز بالبطولة. (مصطفى المنشاوي)
ـ وهم: خاف من
غده؛ قتل يومه. (سمير يوسف)
ـ وهم: نظر
القط في المرآة؛ رأى أسدا. (مصطفى علي عمار)
ـ وهم: عاش
يحلم؛ مات نائما. (حسن احمد العكيلي)
ـ وهم: عاشرته
في الخيال؛ اشترت َسِريرَ أطفال. (إبراهيم الشابوري)
ـ وهم: عاشوا
في هواجسهم؛ تجسدت. (حسام شلقامي)
ـ وهم: أراد
الفروسية؛ امتطى حصانا من الخشب. (نشأت فاخر)
ـ وهم: تستر
بالرياء؛ بانت عورته. (ابراهيم مشلاء)
ـ وهم: حلق مع
النجوم؛ فأصابه نيزك. (نشأت فاخر)
ـ وهم: بالغ
في تقدير ذاته، هبّة ريح ذرته. (هاني أبو نعيم)
ـ وهم: تحقق
مبتغاه؛ استيقظ من حلمه. (أحمد طه)
ـ وهم: أُعجبت
بنصّهِ؛ خطبها. (راسم الخطاط)
ـ وهم: استنجد
بالبحر؛ أهلكه العطش. (سليم الضحيك)
ـ استلابٌ:
تقيد العقل؛ تحرر الوهم. (مصطفى الخطيب)
ـ وهم: عانق
الحياة مخمورا، لفظته بسكرات. (هنادي بلبول)
ـ كذب عانق
الوهم؛ قبله السراب. (علي أحمد عبده قاسم)
ـ وهم: عزفت
له سمفونية حبي؛ دق لي طبول الهجران. (حسناء الفهد)
ـ وهم: غرس
الشوك، انتظر الياسمين. (غريبي بوعلام)
ـ كسل: سكن
الوهم؛ طرده الواقع. (محمود عبدالله)
ـ نَصْر
شَيَّدُوا جُسُورَ الوَهْمِ؛ حَطَّمَها عُبُورُ اليَقِينِ. (سمير المتولي)
ـ سراب: انتكس
الكوب؛ انتظروا المشروب. (مجدي شلبي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوال مأثورة ذات
علاقة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ لا يوجد وهم
يبدو كأنه حقيقة مثل الحب، و لا حقيقة نتعامل معها و كأنها الوهم مثل الموت. (مصطفى
محمود)
ـ الوهم أشد
رسوخًا من الحقيقة. (جاك دريدا)
ـ هنا لا توجد
حقائق؛ هي مجرد أكاذيب مغلفة بخيالات الوهم. (شريف السقا)
ـ إن
الاستغراق في الوهم يغتالنا أكثر مما تفعل الحقائق المزعجة. (عفاف الشاذلي)
ـ لا شيء يؤذي
الإنسي مثل الحقيقة، و لا شيء يسعده مثل الوهم. (غازي عبد الرحمن القصيبي)
ـ الإنسان
منحاز إلى نفسه على الدوام، و لذا هو عرضة للسقوط في الوهم دوما. (كريم سامي)
ـ الوهم هو
حقيقة في عقل صاحبه، و الحقيقة هي وهم اتفق مجموعة من الناس في لحظة ما على صحته. (نجيب
سرور).