مرحبا بكم في بلوج الرابطة العربية للومضة القصصية: ريادة الومضة القصصية بلا منازع ـ أسس الرابطة الأديب مجدي شلبي: مبتكر الومضة القصصية في 12/9/2013...

مسابقة أول الأوائل رقم 4 لعام 2019

قراءة في الومضة القصصية (جهل) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة الأسبوعية (أول الأوائل) لعام 2019
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهية إبراهيم الشاذلي
جهل
اهتدوا لمواقع التواصل؛ فقدوا البوصلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (جهل)، من مرادفاته: بَلاَهَة، تَفَاهَة، حَماقَة، رُعُونَة، سَخافَة، سَفَه، طَيْش، عُتْه، غَبَاوَة، غَفْلَة، نَزَق، هُرَاء، دَنَاءَة...
و ما من شك أن (الجهل) ـ طبقا لمعناه الوارد ـ مرتبط ارتباطا وثيقا بالتسرع و الطيش؛ يقول (البحتري):
تَسَرُّعَ جهل الطائش المُتَوَثِّبِ...
و هو مرتبط بالغفلة و التهويم؛ تقول (نازك الملائكة):
ـ جهل الحقائق في الحياة, فلم يطق *** عن زيفها هربا و عاش مهوّما
و مرتبط أيضا بالتيه بمعنييه:
1ـ التكبر، الاختيال، التبجح، التطاول؛ يقول (البحتري):
فأظهر التيه من جهل، و قابلني *** بسيئ لم يكن من حق مقداري
2ـ التيه بمعنى الضلال، و عدم الاهتداء؛ تقول (فدوى طوقان):
تيه المعمّى، تيه الحياة السحيق *** لا أرى غاية لسيري، و لا أبصر قصداً يوفي إليه طريقي
و يقول (الحسن بن علي بن جابر الهَبَل):
اربأ بنفسك أن تضل عن الهدى *** و تظل في تيه الهوى متحيرا
و واضح من بداية المتن أن ما تقصده الكاتبة بومضتها القصصية هو الحديث عن المعنى الثاني من معاني (التيه) الناجمة عن (جهل) البعض؛ قالت: (اهتدوا لمواقع التواصل؛ فقدوا البوصلة.)
و المدهش هنا هو أن هذا (الاهتداء) هو ذاته مقدمة (لفقدان البوصلة)، و هو تعبير بلاغي مقصود به: (التيه و الضلال)؛ فيا لها من فكرة مدهشة، و صياغة بلاغية معبرة عن واقع حال بعض هؤلاء الذين اهتدوا لطريق التواصل، لكنهم فقدوا القدرة على التمييز؛ فجرفهم جهلهم لحارات التيه و الضلال!.
قال الكاتب المغربي/ محمد نور بنحساين في ومضته القصصية (بصيرة) المنشورة في مسابقتنا اليومية ليوم الجمعة 20 مايو 2016: (فقد البوصلة؛ قاده العميان).
فبعد أن (اهتدوا لمواقع التواصل): الاتصَال، الارتبَاط، العَلاَقة الطيبة؛ حدث أن خانهم التوفيق في صدق هذا التواصل الإيجابي، و فضلوا القبح على الجمال، و التشهير على الستر؛ يقول (ابن نباتة المصري):
زعم المشنع أنني واصلته *** ليت المشنع عن تواصلنا صدق
ذلك التواصل الذي يتم الآن بطريقة غير مباشرة، من خلال ما يُطلق عليه (مواقع التواصل الاجتماعي)، و هو تواصل (افتراضي)؛ يواكبه انفصال عن التواصل (الواقعي)؛ حتى أضحى الأول بديلا عن الثاني، و تحضرني هنا ومضة قصصية أخرى بعنوان (انترنت) ـ سبق نشرها في مسابقتنا اليومية ليوم الاثنين 20 يناير 2014 ـ عبر فيه الكاتب المصري/ ياسر رسلان عن هذا المعنى بإيجاز بليغ: (انقطعت الكهرباء؛ تواصلت الأسرة).
و من هنا تتضح سلبية التواصل الافتراضي الذي أتي على حساب الانقطاع، الإحجام، الإعراض، الانفصال عن التواصل الواقعي، و هو الواقع الذي لا ينبغي ـ بل و لا يمكن ـ للإنسان أن ينفصل عنه؛ يقول (الشريف الرضي):
لم يَخلُ مَن تَرْمي الخطوبُ سوَادَه *** من واقع أبدا و من متوقع
فإذا ما كان (التواصل الاجتماعي) ـ افتراضيا أو واقعيا هو: مقياس لكيفية تضافر الناس و تفاعلهم مع بعضهم البعض.  فينبغي أن تتسع الدائرة الاجتماعية لتشمل العائلة، و ألا تقتصر على الأصدقاء و المعارف فقط.
و ما من شك أن (الاهتداء) لمواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها وسيلة مفيدة و فعالة في تشكيل صداقات جديدة، و توطيد علاقات قائمة، سلاح ذو حدين؛ إما أن يكون بهدف نقل الأفكار و تبادل الآراء الجيدة المتعلقة بموضوع معين، أو الترويج التجاري لسلعة أو خدمة ما... و إما أن تكون وسيلة لإضاعة الوقت، و الترويج لأفكار سلبية تضر الفرد و المجتمع، بما تتيحه تلك المواقع من مضايقات تصل إلى حد الجرائم الالكترونية التي يعاقب عليها القانون، فضلا عن بعض المحتويات غير الأخلاقية... و ربما يكون هذا ما قصدته الكاتبة بالشطر الثاني من ومضتها القصصية: (فقدوا البوصلة).
و طبقا لما اعتدناه من تحليل لمفردات النص، نقول:
أن (البُوصلَة) هنا ليست هي: الجهاز الذي تُعَيَّن به الجهات. أو الآلَةٌ المُكَوَّنَةٌ مِن عَقْرَبٍ مُمَغْنَطٍ يَتَمَحْوَرُ حَوْلَ مَدَارٍ يَسْمَحُ اتِّجَاهُهُ بِمَعْرِفَةِ نَاحِيَةِ الشَّمَالِ. كما ورد في (المعجم: الغني)، لكنه تعبير بلاغي لوصف التوجهات الشخصية للفرد، و هو ما يُطلق عليه (بوصلة الشخصية) و يقودنا هذا حتما إلى الإشارة لوجود طريقة جديدة أو: "أسلوب جديد لفهم طبيعة الناس و أنماط السلوك، بالتحليل الذي ينبني على سلوكيات، و ميول محسوسة للشخص، و هو ليس من التنجيم، أو الرجم بالغيب، و يتم من خلال التقسيم بناء على النسبة إلى الجهات الأربع، و هو ما يسمى بالتناظر الثقافي بين سكان الكرة الأرضية (شمالي ـ جنوبي ـ شرقي ـ غربي)؛ مثال: أنت سريع الغضب، سريع الرضا/ بطيء الغضب، سريع الرضا. صوتك عال عند الحديث، وتصرخ عند الغضب/ صوتك هادئ وعندما تغضب يزداد حدة في الأسلوب، وتكره الصراخ. تميل أن تكون قائدًا، ولا تحب أن تكون تابعًا، فأنت شجاع، وتستطيع الارتجال/..."
و هناك تفاصيل أكثر؛ يمكن التعرف عليها؛ من خلال قراءة ذلك الكتاب المدهش (بوصلة الشخصية) لدايان تيرنر وثلما جريكو - ترجمة د/ حمود الشريف، و يتكون هذا الكتاب من  سبعة فصول: بدأها بفصل عن مراجعة لطبائع الإنسان الأربع، ثم شرح تفصيلي لبوصلة الشخصيات بشكل عام و كيفية معرفة نمط الإنسان، تبعه بفصول أربعة تناولت: الطبيعة الشمالية ـ الطبيعة الجنوبية ـ الطبيعة الغربية، ثم الفصل الأخير عنوانه: (البشر ليسوا متعبين، فقط مختلفين).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
ـ يقول (الشاعر/ محمد جابر مدخلي):
وَهْنٌ تَجَلَّى على أقطابِ بوصلتي *** شعاعُهُ مِنْ مدارِ الشمسِ يَضْطَرِبُ
ـ يقول (فينسنت فان غوخ): الضمير بوصلة المرء.
ـ يقول (علي بن جابر الفيفي): عدّل بوصلة قلبك باتّجاهه ثم سر إليه ولو حبوًا على ركبتيك، ستصل ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾.
ـ من الأقوال المأثورة: خير لك أن تسير كالسلحفاة على الطريق الصحيح أفضل من أن تكون كالغزال في الطريق الخطأ؛ فالوصول متأخرا خير من عدم الوصول.