( الومضة ) أراها جنسا
أدبيا مستقلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم
الناقد/ أحمد طنطاوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و
تبقى مسألة [ الومضـة ] تلك المسألة العويصة التي تثير المناقشات حاليًا
باختصار
و سأبدأ من النهاية, أنا أرى أنه يجب أن تنفصل _ تجنيسيًا _ عن القصة القصيرة جدًا
حلا للإشكال... إشكال مقارنتها و مطابقتها بها, رغم طبيعتها الخاصة.
يعنى
يجب حين نقرأ ومضة ما؛ أن ننسى تمامًا بنائيات القصة القصيرة جدًا؛ نحن الآن في
مدينة أخرى, لها طبيعتها و جوها المناخي الخاص, و لغتها المختلفة.
*
المشكلة في أن الإصرار ما زال عندنا _ و لا أبرئ نفسي _ على وجوب وجود الحكاية
بالمعنى الواضح، الصريح، المعلن
بينما
الحكاية في الومضة لا تتحقق فيها هذه السمات فهي:
*
ترفرف كطائر فوق المشهد و لا تندمج فيه توغلا و حسمًا
*
لأنها كشهقة لحظية
*
أنها أقرب لمعنى الآية ( فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )
*
لأنها تكتفى بلمعة الشهاب في السماء و عليك أنت أن تبنى كامل التصور من عندك.
*
الومضة لن تعطك الحدث الممتلئ, و لا حتى القفلة المتفجرة؛ هي تعطيك فقط الإشارة و
عليك أنت أن [ تؤلف ] القصة.
*
الومضة صعبة جدًا جدًا جدًا و ليس من السهل كتابتها أبدًا... و حتى كتابها
المعتمدون تختلف درجة الإجادة عندهم من ومضة الى أخرى؛ لأنها أقرب الى الإلهامات،
و ليس كل التجلي على نفس الدرجة من النورانية.
*
لابد لكاتب الومضة من إجادته لأمور كثيرة جدًا و بتعمق شديد: كالفلسفة و الشعر و
التصوف، و ربما لم يتحقق هذا إلى الآن إلا في بعض ومضات قليلة للغاية؛ علىَّ أن
أجمع نصف العالم في قبضة يد ثم أضغطه لأقبض عليه بإصبع واحد فقط... فمن يجرؤ...؟
من
يفعل _ بحق و أكرر ( بحق ) _ سينضم لأقطاب الصوفية.
*
الومضة شعور مسرف في تركيزه و ضغطه, لأنك لو قلت قصة سيجئ من يسألك عن الحكائية و
القصصية بشكلها المحدد الصارم, أما الومضة فهي بريق خاطف يدهش و ليست الحكاية فيها
بذات الأهمية القصوى و ظهورها القوي، الحكاية فيها تبدو من بعيد كأنها غيمة مطلة،
هي موجودة لكن على مستوى معين، من وراء ستار, متوارية خجول...
قلت
لصديق عنها:
"أنا
أرمى إليك بالوهج فقط... ثم أمشى... قم أنت بتأليف القصة بطريقتك... استلهامًا من
هذا الوهج".
و
لهذا أراها جنسًا مستقلا.