القصة الومضة في ميزان النقد
بقلم الدكتورة/ أفكار أحمد
زكي (مصر)
صار هناك شبه اتفاق - لا
يقبل الخلاف - على أن مصطلح "القصة الومضة" يدل على القصة التي لا
تتجاوز في الزمن وقتا قصيرا يشبه (الومض) بمعناه اللغوي الذي عرفه ابن منظور في
لسان العرب، حيث يقول قي معنى "ومض" [أي لمع لمعا خفيفا و لم يعترض في
نواحي الغيم] 6/4927.
و مما ساعد على وجود و
انتشار هذا اللون القصصي، ما وصلت إليه البشرية من تقدم تقني سهل التواصل عبر
شبكات التواصل الاجتماعي، و هذا ما دعا إلى الاعتماد على الإيقاع السريع مع
الاختصار و الإيجاز. تلك السمة التي تعد من أهم سمات القصة الومضة.
تتسم القصة الومصة ببعض
السمات الخاصة التي تبعدها عن القصة أو
القصة القصيرة، و تميزها في نفس الوقت- و التميز هنا لا يعني الأفضلية – و إنما
يعني الخصوصية، إذ تتخلى القصة الومضة عن بعض خصائص القصة، فليس ضروريا أن
و لكن الملاحظ أن عددا غير
قليل من الومضات التي قمت بقراءتها للتحكيم فيها
كانت تفتقد هذه الخاصية، و تأتي في صياغة نثرية عادية و بسيطة تفتقد للكثير
من الجماليات و الإيقاع و الجرس الموسيقي. و إذا وجد فإنه يكون بصورة مفتعلة و
متكلفة، مما يفقدها جمالها و تميزها. و في هذا دلالة أخرى و هي أن معظم من كتبوا
هذا اللون من ألوان القصة من الكتاب الجدد، الذين لا يزالون يخطون خطواتهم الأولى
في الكتابة الأدبية.يكون في الومضة شخصيات أو
صراع تقليدي بين الشخصيات، لأن الحدث الذي يقع و يفاجئنا بنقيضه لا ينتظر تسلسلا و
تطورا، لأنها ومضة تمر كالبرق سريعا و من هنا يأتي عنصر المفاجأة، هذا العنصر
الأساسي في القصة الومضة؛ حيث يقلب نهايتها على بدايتها بصورة غير متوقعة. من
المفترض أن يعطي الاختزال و التكثيف اللذين يجب أن يتوافرا في أسلوب القصة الومضة،
بعض سمات اللغة الشعرية و ما تحتويه من جماليات.
هذا لا ينفي وجود مواهب و
أقلام كتاب متميزيين قدموا لنا ومضات متميزة و هادفة و تتمتع باللغة الشعرية.
و من السلبيات التي ترد لدى
عدد غير قليل من كتاب القصة الومضة، ما يتعلق بالعنوان؛ الذي اعتاد معظم كتاب
الومضة أن يكون هو أول كلمة من كلماتها، رغم أن للعنوان سمات و شروطا، و ليس
بالضرورة أن يكون هو الكلمة الأولى في القصة، و ترجيح سبب ذلك يرجع إلى رغبة
الكاتب في الاختزال و توفير عدد الكلمات في الومضة، فيجعل العنوان أول كلمة. و في
مفهوم النقد يكون قد أغفل أن يعطي قصته عنوانها الذي هو مفتاحها و سر فهم المغزى
منها.من الجوانب السلبية التي
تبدو لي عند كُتاب القصة الومضة؛ قد يؤدي الاختزال - في بعض الأحيان – إلى التضليل
أو غموض المعنى المقصود و غياب دلالة الصورة، و هذا إنما يحدث مع من ليس لديه
موهبة و خبرة و دراية كافية بكتابة القصة الومضة، أو قصور في الحس اللغوي الذي
يستغل تكثيف المعنى في اختزال الألفاظ.
و في الختام لا يسعني إلا
أن أقول: إن الأديب مجدي شلبي ليس في حاجة للدفاع عنه؛ لأن الدور الذي يقوم به من
إرساء دعائم هذا اللون الأدبي، و جمع لكتاب و نقاد القصة الومضة على مستوى العالم
و ليس فقط على مستوى العالم العربي دور أكثر
أهمية، فقد قامت الثقافة و
الأدب معا بما لم ينجح فيه أهل السياسة و الحروب؛ فوجدنا هذا الجمع المتنوع من
الأدباء و النقاد الناطقين بلسان عربي مبين، يثرون الأدب و الثقافة بفكرهم و
علمهم. و من المزايا التي تحمد للأديب مجدي شلبي أنه حرصه على إتقان كتابِ القصة
الومضة اللغةَ العربيةَ الفصحى، إذ أخذ عهدا على ألا يقبل أي نص يشوبه خطأ لغوي أو
إملائي أو نحوي.