الومضة القصصية نجمة في سماء الأدب
بقلم الأستاذة/ رشا الحسين
(سوريا)
شكل الأدب المدرسة
التعبيرية الأولى في حياة البشرية، و التي تطورت مع تعاقب المراحل
التاريخية، و قد تزاوجت الألوان الأدبية الغربية و العربية بجل فنونها،
لتخرج لنا جينات جديدة لأجناس أدبية مستحدثة، عانت ما عانته من هجوم أتباع السلفيات الأدبية التقليدية، الرافضين
للواقع الجديد الذي يفرضه التطور، و رغم كل التحديات؛ فقد استطاعت بعض هذه الفنون
الأدبية، أن تنتزع مكانتها بقوة، بل و تتصدر المشهد الثقافي للأدب المعاصر، لأنها
كانت نتيجة لمتطلبات المراحل التاريخية، و مواكبة لطبيعة عصرها.
و لأن ظروف المرحلة الحالية تحتاج لوناً أدبيا يعبر بإيجاز شديد، و
بلاغة فائقة عن الرؤى و التوقعات و المفاجآت، و يستجيب للسرعة، و قلة الوقت؛
فاجأتنا (الومضة القصصية) أو بمسمى آخر (القصص الومضية) لتتربع على عرش الفنون
الأدبية الحديثة، مستمدة وجودها من جذور الأمثلة الشعبية،
و هنا يجب التاكيد على
حقيقة أن الأسلوب الرمزي و التجارب اللاواعية و الفانتازية انتزعت مؤخرا اهتمام المتلقي، خصوصا عندما لامست اهتماماته و عبرت
عن قضاياه، و قد وفرت الومضة القصصية لجمهورها الأساسيات المهمة لنتاج أدبي، حقق
مبتغاه؛ فانتشرت بسرعة البرق رغم حداثة عهدها، حيث امتازت باستعمال النفس الجملي
القصير (التكثيف) الموسوم بالحركية، و التوتر المضطرب، نتيجة تأزم المواقف و
الأحداث، بالإضافة إلى سمات الإيحاء و الإضمار، و المفارقة، و النزعة القصصية
الرمزية الموجزة، و التلميح، و الاقتضاب، والخاتمة المباغتة، فضلا عن أهمية
العنوان، ودوره الموحي و الموازي و المأول للنص.الحكم، و أدب التوقيعات، و
فنون الإيحاء و الفلسفة اليونانية.
إن الومضة القصصية تلك
العروس الساحرة في عرس التعبير، تتجلى جماليتها باعتمادها على الاستحوذ على فكرة
مدهشة، و البدء في بناء هيكلها بجماليات الأسلوب الدرامي، المزركش بروعة الإيحاء، و شاعرية اللغة، و سريالية العرض،
الذي يترك الأفق التوقعي مفتوحا أمام القارئ، و يجعله حائرا أمام شاعرية النص المختزل؛ فيسبح في عوالم
التخييل و التأويل.
و ختاماً، أقول: إن الومضة
القصصية فن صعب، يتطلب التركيز و
الدقة، و القدرة على التكثيف و الاختزال، و توظيف المهارات الكتابية من لغة و نحو
و صرف، و القدرة على رسم الصورة لإثارة القارئ بلعبة الإدهاش و الإغراب، و استثمار تخيله في النقد و
التصوير و التجريد. و على الكاتب ألا يستهين بهذا النوع من فنون الكتابة، الذي ما
زال البعض يشكك في شرعيتة، رغم أن المعادلة
التاريخية تمنحه هذه الشرعية من خلال استحواذها على اهتمام
النقاد و الكتاب، و تربعها الحالي على عرش الفن الأدبي الحديثو يستخدم كاتب الومضة
القصصية أسلوب الإدهاش، و الإرباك، و الاشتباك، و المفارقة، و تراكب الأفعال، و
التكثيف، و الترميز، و الأسطرة، و الانزياح، و التناص، و السخرية، و التنويع
السردي، و للومضة القصصية عدة أشكال منها: الرومانسية، الواقعية، الرمزية، الأسطورية،
والفانتازية.
و يعتبر الأديب مجدي الشلبي
هو الأب الروحي في الوطن العربي لهذا اللون الأدبي الحديث (القصة الومضة) من خلال
تنظيمه القوانين و الضوابط و المعايير الخاصة بها، و اهتمامه المشهود، و سعيه
الحثيث لانتزاع الشرعية لها.