بين القصة القصيرة
جدا و الومضة القصصية...
منظور إشكالي
منظور إشكالي
بقلم : الأستاذ عبد الجبار
ربيعي (الجزائر)
في هذا المقال سعي للتفريق بين نمطين إبداعيين عرفا في
الفضاء الإبداعي والنقدي على أنهما شيء واحد... وقد كان هذا موقفي في البداية لكنني
بعد محاورة مع الذات وجدتني أنحاز إلى موقف جديد بين القصة القصيرة جدّا والومضة
القصصية... منظور إشكالي؛ يمكن القول إن القصة القصيرة جدّا كما تعرف في غالب الأقطار
العربية شكل تعبيري جديد يمتاز ببنية فنية وفكرية خاصة إلى حد كبير، فهي تقوم على
الإيجاز والتكثيف والإيحاء أو البعد الإشاري وهي قريبة من قصيدة النثر والومضات
الشعرية من حيث توظيف تقنية الاختصار والتكثيف الدلالي والزخم التأويلي وهي كذلك
تجسّد بعدا رمزيا للأدب في عالم التقنية والمدنية التي تتأسس على الرقمية
والعلاقات الإجرائية المتسارعة... لكن السؤال المركزي الذي يمكن طرحه في خصوص هذا
اللون الإبداعي الجديد يكمن في التفريق بين لونين متفاصلين في تقديري وهما القصة
القصيرة جدّا والومضة القصصية أو القصة الومضة... هل الومضة القصصية هي القصة
القصيرة جدا عينها أم هما جنسان متمايزان؟ وقد سبق لي شخصيا أن نشرت ومضيتين قصصيتين
الأولى بعنوان مقاربات جد طاعن في الخرافة والثانية بعنوان كاميرا مخفية وقد نشرتا
لي ضمن إصدار خاص للمتكأ الثقافي في البحرين بعنوان: يوم واحد من العزلة..لكن تحت
اصطلاح ثان هو مجموعة قصص قصيرة جدا لمبدعين من العالم العربي؛ فنشأ عن هذه
المفارقة المصطلحية المألوفة في الممارسة النقدية والمصطلحية العربية سؤال ملح: هل
هذا مجرّد تباين مصطلحي أم هم تمايز أجناسي؟ في رأيي: نحن أمام جنسين أدبيين
مختلفين الأوّل هو القصة القصيرة جدا والذي يمكن أن نصنّف ضمنه القصتين السالفتين
والثاني هو الومضة القصصية ولكي أشرح وجهة نظري فإنني سأعتمد أسلوبا شبيها بأسلوب
هذين الجنسين وهو الاختصار وذلك بإحداث مقارنة بسيطة وسريعة بينهما من خلال بيان
أوجه التشابه والاختلاف وصولا إلى تمييز حد فاصل بين الجنسين بحسب ما يظهر لي..
أوجه التشابه: كل من القصة القصيرة جدا والومضة القصصية تعتمد على أسلوب الاختصار. كلا الجنسان يعتمد على التكثيف الدلالي والإيحاء الرمزي. لغتهما متقاربة معجميا
و بنيتهما الأسلوبية متشابهة إلى حد كبير. كلاهما يوظّف المشهدية مع التقليل من
حضور الفضاء المكاني في مقابل التركيز على الإيحاء الفكري. الجنسان يمارسان نقدا
حادا للبنية الإيديولوجية والمجتمعية في ظل الوضع العربي المتشظي. أوجه الاختلاف:
الومضة القصصية شديدة الاختصار بحيث لا تتجاوز غالبا سطرين أو ثلاثة فيما يمكن أن
تتراوح القصة القصيرة جدا بين أربعة أسطر وعشرة أسطر. الومضة القصصية في جل
نماذجها لا تجاوز وصف المشهد الواحد فهي تعتمد على تقنية تفريغ الصورة وتحويلها
إلى بناء فكري و ذهني بينما يمكن أن تتشكل القصة القصيرة جدا من أكثر من صورة
مشهدية واحدة وهي على عكس الأولى تركز على الإيحاء بالفكرة غالبا لا الإيحاء
بالصورة. تتناول الومضة القصصية غالبا الصور الحياتية الجزئية وتتخذ القصة القصيرة
جدا بعدا كليا كفعل فلسفي وجودي. البنية العامة للقصة القصيرة جدا تشترك في كثير
من عناصرها مع القصة القصيرة لأنهما في سياق فني متقارب، أما الومضة القصصية من
حيث البنية فهي أقرب إلى أسلوبية القصيدة الحداثية عموما خاصة قصيدة النثر في إشاريتها
و تقاطيعها الإيحائية. وأقول في خلاصة الرأي إن هذا التفريق اجتهاد محض وهو يحتاج
إلى شواهد ونماذج عملية تقوّيه... وذلك ما أعد به لاحقا إن شاء الله في دراسة
تحليلية مستفيضة لكنني أردت أن أسجل هذا الرأي ابتداء حتى يكون بداية الطريق...