الرابطة العربية للقصة الومضة تحتفي باستيفاء
سنتها الأولى
..............................................................
بقلم: الأستاذ/ أبو إسماعيل أعبو (كاتب وناقد مغربي)
..............................................................
بحلول اليوم الثاني عشر من شهر شتنبر سنة ألفين وأربع
عشرة ميلادية، تكون القصة الومضة التي استنبتها الأديب المصري مجدي شلبي في التربة
الأدبية العربية، وأمدها بنبضات حية، قد استوفت سنتها الأولى، وتبوأت منزلة الجنس الأدبي
الحركي الذي لا عهد للأدب العربي به.
طوال سنة بأكملها تجشم الأديب مجدي شلبي، عناء تدبير
شؤون الحركة التأسيسية لهذا الجنس الأدبي، وقد عجل بها منذ البدء، باسم الرابطة العربية
للقصة الومضة، حتى يؤول ببادرته إلى حركة جماعية، تدل على أن مسعاه ليس مجرد نزوة قصصية
ذاتية، أو بدعة من البدع التي لا تلبث أن تخمد جذوتها، وإنما هو مشروع جماعي أدبي وتاريخي
في الآن ذاته، لا يرى بدا منه في ظرفيتنا الحالية، باعتباره مشروع جنس حركي يختط لنفسه
مواصفات جمالية، واحتمالات عدة لحكي الواقعي، ويدل بالمقتصد غير الاعتباطي من الألفاظ
المتناسقة على المكثف من معاني المعيش، ويضع نفسه بالتالي موضع تساؤل مستمر، في سيرورة
حوارية، يتفاعل في سياقها بيسر مع المتلقي، ويفضي به إلى ما هو كائن في الواقع، واحتمال
ما ينبغي أن يكون فيه.
وإذ ينحو الأديب مجدي شلبي هذا المنحى، يحدوه أمل
تأسيس جنس أدبي حداثي يتحدث مع الأدب في حركيته، وصيرورته الزمنية، فيكون وجوده سابقا
عن ماهيته، بخلاف الأجناس الأدبية التقليدية التي دأبت على التحدث عن الأدب، ملتزمة
بنمذجة جنسية قارة، أوبماهية سابقة عن وجودها، لذا لا غرابة إن أتى جنس الومضة القصصية،
يتجانس مع أجناس أدبية، وأشكال تعبيرية شتى، تجانسا يتمثل بجلاء في استيحائه التكثيف
والإيحاء الشعريين، والحوار المسرحي، والسجع المقامي، والاقتصاد اللفظي التوقيعي، والهاجس
الخاطري، والعبرة الحكمية، والبنى الحكائية القصصية... أي لا غرابة إن أتى مشرعا، يفكر
في ذاته بالكلمات، ويضاعفها بالحوار مع متغايراتها، وكذا بالتمرس بما يتجاوزها من معارف،
ويعدد صورها، ويحفزها على قول الواقعي بالمغاير والمختلف.
ولعل الناظر عن كثب في التوسيمات الجنسية، التي وسم
بها الأديب مجدي شلبي القصة الومضة، وهي: التكثيف، والمفارقة، والإدهاش، والإيحاء،
والخاتمة المباغتة، سيجدها لا تسعى إلى تعليب القصة الومضة في علبة جنس أدبي مغلق،
ذلك أن مقصد الأديب، هو أن يختط للكتابة خطتها المحكمة، وأن يكفل لها قوانين لعبتها،
وأن يصون حرمتها الإبداعية، فتكون بمنأى عن المتطفلين عليها، ولئن قلص كلماتها إلى
ثمان، فما هذا إلا ليبعد عنها الاعتباطية، ولتبقى نسقية، تمت الواحدة منها بصلة وثقى
بالأخرى، فلا تترك ضمنها مجالا للفضلة، لهذا وذاك لم يكن شغله أن يعقل القصة الومضة
بتصور "ماهي"، يجعل الانتظام فيها مطلقا يسبق وجودها، ويحول دون حركيتها
واندراجها في صلب الزمن، وإنما كان شغله أن يطلق العنان لكتابة منتظمة وفق نواظم مدققة
لترتاد آفاقا إبداعية رحبة، بينما هي بين الآونة والأخرى تحط رحالها بين أحضان كتابات
إبداعية متباينة المناحي.
إن هذا المسعى الطليق، أضحت تهجس به الومضات القصصية،
للأعضاء الذين توافدوا جماعات على الرابطة، حتى أن عددهم بعد إنشائها ناهز في ظرف الشهر
الواحد أربعة آلاف عضو.
لا ريب أنه مسعى يحفز على طرح السؤال التالي: ما
الذي يجعل من القصة الومضة جنسا أدبيا حركيا حقا؟
لنا هنا أن نشير إلى أن القصة الومضة في حركيتها
، تنتظم وفق نواظم ثلاثة:
أولا، ناظم الانفتاح الذي يجعلها جنسا ينزاح عن النمذجي
التقليدي، ويشترع لنفسه شرعة الكتابة الحداثية، التي تشف من جهة عن انفتاح على الصيرورة
الزمنية، في استرسالها المكاني، كما تشف من جهة أخرى عن انفتاح على مختلف الأجناس الأدبية،
والأشكال التعبيرية، والاحتمالات التأويلية.
ثانيا، ناظم الحوار الذي يتأسس على وعي انتقادي ضمني،
يسائل الواقع والكتابة في علاقاتها بذاتها، وبالكتابات التي تتناص معها، ويكفل لها
الانتقال من جمود التقليد إلى الرغبة في الاكتشاف، وهو ناظم لا تنقدح شرارته إلا إذا
ما تعضد حقا بناظم الانفتاح.
ثالثا، ناظم الحرية الذي بفضله، تنزاح القصة الومضة
عن المتواتر النمذجي التقليدي، وتسلك لنفسها مسالك تعبيرية احتمالية عدة، تجعل من حريتها
شرطا وجوديا تتم به حركيتها الإبداعية.
فبهاته النواظم المنتظمة عضويا، تنعت القصة الومضة
التي ابتدعها الأديب مجدي شلبي بالجنس الحركي، الذي لا يني يعرض إبدالاته الشكلية والبلاغية
والدلالية في حلل متغايرة، ويؤشر على رغبته في تحقيق تفاعل جدلي مع أشكال تعبيرية شتى،
ومع اللحظة الحضارية، بغية تأسيس كتابة رائدة، تفجر حركية التحول.
لهذا وذاك، نرى أن الرابطة العربية للقصة الومضة
تستحق منا التنويه، فهي رابطة موكول لها مقود الحركة التأسيسة لجنس أدبي، يبدو أدبنا
العربي في أمس الحاجة إليه، باعتباره يستجيب لظرفيتنا الحالية.
نماذج من القصة الومضة:
*
"هدية: في عيد ميلادها الثاني عشر؛ أهدوها زوجاً." (حنان نصري)
*
"أم مثالية: وقفت في طابور الخبز؛ غابت عن حفل التكريم." (أحمد طه)
*
"نفاق: كلما تظاهر الليل بأنه صباح؛ فضحه نباح الكلاب." (خالد الفاضل)
*
"كهرباء: عاد التيار، لكن الظلام لم يرحل." (رحيمة بلقاس)
*
"حتف: طعنه السن؛ فضمد جرحه الكفن." (سيد ماهر)
*
"نص: هممت بكتابة نص؛ إذا به يكتبني." (عصام كباشي)
*
"نسيان: نفل صندوق ذاكرته؛ اكتشف مقبرة جماعية." (عبدالكريم حمادة)
*
"سبب: تعرت الشجرة؛ تحسس الحطاب فأسه." (د.عيسى الغانم)
*
"جائع: نظر إلى القمر؛ رآه رغيف خبز." (عبدالناصر يونس)
*
"حفريات: أخرجوا (المومياء) من تربتها؛ ظنت أنه البعث." (محمد عبدالباقي)
*
" تعصب: عصب عينيه؛ فلم ير إلا عصابته." (محمد نبيل)
*
"دعاء: رفع يده إلى السماء؛ أنزلها والسماء في يده." (وليد البغدادي)
*
"مطاردة: كلما بنى خصاً في الخلاء؛ طاردته البيوت." (محمد عبدالحكم)
*
"إفشال: كلما اقترب من مركز النجاح؛ وسعوا دائرته." (هبة عثمان)
*
"نوبة: ولج العتمة؛ مات ظله." (يحيى دارعودة)
*
"مكافأة: رفعوا شهاداته عن الحائط، وعلقوه مكانها."، "تلوث: أعدوا الطعام
ليأكلوه؛ أكلهم." (مجدي شلبي)
