قراءة في الومضة القصصية (نتيجة) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة
الأسبوعية رقم 26 (أول الأوائل لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خيرى الأزغل
نتيجة
زرعوا العواصف؛ حصدوا الغُبار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (نتيجة): و من مرادفاتها (عاقبة)؛
يقول (الإمام الشافعي):
إذا لم تخشَ عاقبة َ الليالي *** وَ لَمْ
تستحِ فافعَلْ ما تشاءُ.
و يقول (الحسن بن جابر الهبل):
و قمت أذب عنهم ثم كيلا *** يكون الجد
عاقبة المزاح.
و يقول (ابن عبد ربه):
هِيَ الدُّنيا ، وإِنْ سَرَّتْكَ
يَوْماً *** فإنَّ الحُزنَ عاقبة ُ السرورِ.
و يقول (أحمد محرم):
أظن القوم لا يرجون أخرى *** و لا
يخشون عاقبة الغواية.
و من مرادفاتها (محصلة)؛ يقول (أمل
دنقل):
تتساوى محصلة الركض و الرفض في الأرض
*** ماذا تبقى لكِ الآن؟ ماذا؟.
و على طريقة قانون نيوتن الثالث في
الحركة: (لكل فعل رد فعل...)؛ جاء قول (أبو نواس):
و إذا وصلْتَ بعاقِلٍ أملاً *** كانت
نتيجة ُ قولكَ الفِعْلا.
و قول (إيليا أبو ماضي):
و تعانقا، فبكى فرحا *** إنّ البخار
نتيجة الحرّ.
فماذا كانت (نتيجة) أن (زرعوا
العواصف) و هو تعبير مجازي كناية عن إثارة المشاعر بافتعال المشاكل؟:
ـ تقول (نازك الملائكة):
(طاش عصف الرياح و التهب البرق).
ـ و تقول الومضة القصصية: (حصدوا
الغبار)، كناية عما جنوه من قتام و هباء، و تلوث للأجواء بالريب و الشك؛ يقول
(عبدالرحمن العشماوي):
و به تشب النار يوقد جمرها *** وبه
يثار من الشكوك غبار.
فإذا ما قرأنا الومضة القصصية
المعروضة من زاوية وطنية؛ وجدنا فيها إشارات رمزية لما يثار من شائعات مغرضة،
هدفها إثارة (غبار الشكوك) في محاولة خبيثة لتضليل الرأي العام؛ يقول (صالح بن
سعيد الزهراني):
يشتدُّ عصف الرّياح الهوج يا وطني ***
وعودُ خيمتكِ البيضاء ما دارا.
فإذا ما تساءلنا لماذا (زرعوا العواصف)؟:
نجد الإجابة في قول (عبدالغني
النابلسي):
للذنب سر عجيب *** و فيه خبث و طيب
و في أناس نعيم *** و في أناس لهيب.
و أقول في رباعيتي بالعامية المصرية:
فيـــه خلايـق مـش بشــــر
تقول ديابــة؛ أقـول: فشـر
سرطان في جسم المجتمع
ما لوش علاج لو انتشــر.
و بالعودة للومضة القصصية المعروضة (زرعوا العواصف؛ حصدوا الغُبار.) نلاحظ أن الكاتب قد أجاد باستخدامه
للرمز في تصويره الموحي البليغ؛ بأن عقد علاقة مزدوجة بين (الزراعة/ الحصاد) و بين
(العواصف/ الغبار)، و غني عن القول ما للعاصفة من تأثير سلبي على المحصول المبتغى
من (زرع العاصفة)، و المعنى هنا يرتبط بخيبة أملهم، و فشل مسعاهم؛ يقول (ابن نباتة
المصري):
"... يا طولَ خيبة ِ قانعٍ (بغبار)".
و هو ما يؤكد صحة استخدام الكاتب
لعبارة (زرعوا العواصف) و عدم استخدامه لعبارة (أثاروا العواصف)؛ ذلك لأن الزارع
يبتغي من زراعته حصادا قد يفيده، أما المثير للعواصف فهو يعلم مقدما أن ما يفعله
لن يجني من ورائه خيرا... و من ثم ينطبق على هؤلاء وصف الحق في محكم التنزيل: (الذِينَ
ضَلّ سَعيهم فِي الحَياةِ الدنيَا وَهم يَحسَبونَ أَنهم يحسِنونَ صنعًا) الآية 104
من سورة الكهف.
و لعل ارتباط (العاصفة) بـ(الغبار) كظاهرة
طبيعية؛ هو ما جعل بعض الكتاب يستخدمونها كرمز للدلالة على معانٍ مختلفة، منها على
سبيل المثال:
ـ أجواء: هدأت العاصفة؛ لم يصعد إلا
الغُبَار. (لقمان محمد)
ـ علاقة: هدأت العاصفة؛ علق الغبار. (مجدي
شلبي)
ـ نتيجة: زرعوا العواصف؛ حصدوا
الغبار. (خيري الأزغل)
و (للغبار) دلالات أخرى؛ مثل (غبار
الحرب)، على نحو ما جاء في الومضة القصصية:
ـ وامعتصماه: اِندفع الغبار، لم تأت
الخيول. (لقمان محمد)
و يظل الباب مفتوحا لعديد من الومضات
القصصية التي يمكن أن تعبر عن (غبار الصمت)، (غبار الحزن)، (غبار السفر)...
هذا و قد استخدم كتابنا رمز (العواصف)
في ومضاتهم القصصية بأساليب و دلالات أخرى؛ منها على سبيل المثال:
ـ تَعْرِيَة: تَرَبَّعَتْ عَلَى
قِمَمِ الْجِبَالِ؛ ذَرَّتْهَا عَوَاصِفُ الزَّمَانِ. (فاطمة عطا)
ـ مستقبل: امتلأ فنجانه بالزوابع؛
بشرته بالزعامة. (خيرى الأزغل)
ـ طموح: أنجز طائرته الورقية، تحولت
أنظارهم إلی عواصف. (Abdulrahim Saad)
ـ صداقة: جمعتهم سفينة الحب؛ أغرقتهم
عواصف الشهوات. (مروه محمود)
ـ نافذة: تسلحت بالأقفال؛ تقهقرت جيوش
العاصفة. (سميرة سلمان)
ـ وثوب: سابق العواصف؛ أسقطته
الزوابع. (أحمد الجيزاوي)
ـ ثورة: هبت العواصف؛ قلبت الصحائف.
(آمال شتيوي)
ـ ترقب: جف قلمه لحظة؛ سبق الإعصار
العاصفة. (محمود السنوسي)
ـ تَوَجُّس: حَلَّ السُكون؛ ترقبَ
العاصفة. (علي العكشي)
ـ اهتداء: اشتدت العاصفة؛ عرفوا
الربان. (علي العقابي)
ـ ربيع: انتظرنا نسماته؛ هبت عواصفه.
(باسم عطوان)
ـ تواضع: انحنى للنسيم؛ لم تكسره
العاصفة. (إبراهيم مشلاء)
و هكذا تأتي العواقب من جنس العمل؛ و
قد عبر كتابنا عن هذا في عديد من الومضات، التي حملت عنوانا واحدا (عاقبة) منها
على سبيل المثال:
ـ عاقبة: تنفس كذبا؛ خنقه الصدق. (علي
أحمد عبده قاسم)
ـ عاقبة: خاصم العلم و الأدب؛ تيتم.
(علي العقابي)
ـ عَاقِبَةٌ: فَضْفَضوه؛ فُضَّ فوه. (مجدي شلبي)
ـ عاقبة: ابتسم المنهزم؛ بكى المنتصر.
(إبراهيم مشلاء)
ـ عَاقِبَةٌ: نقَّبَ عن أَثَرٍ؛
نقَّبَوا عن أَثَرِه. (ممدوح الطنطاوي)
ـ عاقبة: هام بوادي ليلى؛ جرفه سيل
قيس. (علي أحمد عبده قاسم)
ـ عاقبة: تجاوز حدوده؛ اصطدم بعفتها.
(أم عبد الرحمن البرقاوي)
ـ عاقبة: هجروا وطنهم؛ سكنهم الهوان.
(أحلام قدور)
ـ عاقبة: صرخت الفوهات؛ جاعت الأفواه.
(علي أحمد عبده قاسم)
ـ عاقبة: سقط في بئر الخيانة؛ أخرجوه
بحبل المشنقة. (سماح عبد الحليم)
ـ عاقبة: فرضوا الهيبة؛ تهيّبوا
الفروض. (رفيق الفهري)
ـ عاقبة: طال حبله؛ ترقق. (محمود
السنوسي)
ـ عاقبة: ذبح غنمه؛ أطعم الذئاب.
(صفية يوسف)
ـ عاقبة: حطمت طموحه؛ ردمها الركام. (أيمن
خليل)
ـ عاقبة: اتخمت بطونهم، حسدوا الجياع.
(إبراهيم مشلاء)
ـ عاقبة: سقطوا؛ قامت قيامتهم. (علي
أحمد عبده قاسم)
