قراءة في الومضة القصصية (تذبذب) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة
الأسبوعية رقم 31 (أول الأوائل لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأديب عبد المجيد
بطالي
تذبذب
ارتدى القناع؛ خلع
الاقتناع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (تذبذب): تأرجح، تردد، اضطراب، و ضده: ثبات، استقامة، انتظام؛
و يوصف الذين يترددون، و لا يثبتون على رأي بـ(المذبذبين)؛ الذين قال فيهم الحق
سبحانه و تعالي في محكم التنزيل: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء)
الآية 143 من سورة النساء.
و المتأمل في كلمة (ذبذب) يلاحظ التأرجح اللفظي بين الحرفين الأول و
الثاني، و الثالث و الرابع: (ذب)، التي تعني: دافع، حمى، نافح؛ فيعتقد القارئ أن
المتصف بتلك الصفة يحمل كل معاني الشهامة و المروءة؛ اتساقا مع قول (ابن نباتة المصري):
في ذب رأيك عنه للملوك هدى *** كأنما هو للآراء إكسير.
غير أننا ما نلبث أن نكتشف لتلك الكلمة (ذب)
معانٍ أخرى:
ـ ذُبَّ
المكان: كَثرَ ذُبابه.
ـ ذَبَّ
الغَدِيرُ: جَفَّ، يَبِسَ،
ـ ذبَّ جسمه: ذبل و هزل.
ـ ذُبَّ
الرَّجل: أَصابَه الجنون؛ فهو (مذبوب)، و هي (مذبوبة).
ـ ذَبَّ
المُهَاجِر: لَم يَستَقِرّ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ.
و المدهش ملاحظة تلك الحركة (المتذبذبة) للسان أثناء نطق كلمة (تذبذب)؛ فعن أي
صورة من صور الـ(تذبذب) تحدثنا الومضة القصصية المعروضة، التي اتخذت من هذا اللفظ
عنوانا؟:
ـ (ارتدى القناع)، تلك الخطوة التي خطاها، على طريق الخداع؛ تعبر عن
حالة من حالات (التذبذب)، بين الظهور و الإخفاء، بين الصدق و الكذب، بين الإعلان و
المواراة؛ اتساقا مع وصف (قاسم
حداد) لمثل تلك الحالة التي:
يلتقي في جوها صبح و ليل *** و خيال و حقيقة.
هذا هو الخلط الذي يقع فيه كل (مذبذب) غير مدرك
أن عيون البرايا كاشفة للحقيقة، و لا تخدعها (الأقنعة)؛ يقول (أبو الهدى الصيادي):
عين البرية أصل كل حقيقة *** سر الوجود خلاصة
الأشياء.
يقول (ابن خميس الموصلي) في مناقب الأبرار و
محاسن الأخيار: (احسر عن رأسك قناع الغافلين).
و بالعودة إلى النص المعروض؛ يجدر بنا أن نتوقف
عند كلمة (ارتدى) التي ضدها (خلع)؛ فإذا كان صاحبنا (ارتدى القناع)؛ فأي شيء
خلعه؟:
ـ (خلع الاقتناع)!
إن (الاقتناع) بفكرة ما يعني: قبوله بها و
اطمئنانه لها؛ فأي سخف و حماقة، تجعله (يخلع القبول و الاطمئنان) و يرتدي قناع
(الرفض و الشك)؟ غير مدرك لصواب بيت الحكمة:
إِن اقتناعَ النفسِ من أحسنِ الغِنى *** كما أن
سوءَ الحِرْصِ من أقبحِ الفقرِ.
لقد أجاد الكاتب بالمقابلة البليغة بين شطري
الومضة القصصية، إضافة لتلك المراوحة بين (القناع و الاقتناع) و بين (الارتداء و
الخلع)، و كأنه بهذا يؤكد حقيقة التذبذب، التي تحكم تصرفات بطل النص؛ فتجعله يرتدي
هذا و يخلع ذاك، على طريقة تغيير الثياب، طبقا للحالة غير المستقرة، التي يعاني
منها، و ربما مواكبة لتغير الظروف و الأحوال؛ بلا مبدأ ثابت يعتد به، و يدافع
بإرادته عنه؛ و تلك لعمري هي الرسالة التي يحذر منها الكاتب في ومضته القصصية، اتساقا
مع قول (ابن شهاب):
من ليس يخلص في مبدأ إرادته *** فكيف يرجو
فلاحاً في تناهيه.
و كعادتي في القراءات السابقة، أعرض بعض الومضات
القصصية ـ ذات العلاقة ـ التي سبق نشرها في رابطتنا العربية للومضة القصصية:
ـ حية: ارتدت قناع المكر؛ أكلتها الذئاب. (أحمد
طه)
ـ قناع: رفع القناع انتهى العرض. (صباح رحيمة)
ـ قناع: غسل وجهه؛ سقط قناعه. (عماد كامل)
ـ قناع: أصدر البلبل فحيحاً؛ غرّدت الأفعى.
(غريبي بوعلام)
ـ قناع: هم بنزعه؛ فتمزقت ملامحه. (صفاء خليل)
ـ قناع: وضعه على وجهه؛ خانه لسانه. (شهر زاد)
ـ تَهَرُّبٌ: حاصرته الآلام؛ ارتدى قناع
الأحلام. (محمد نبيل جادالله)
ـ منافق: لبس قناع التقوى؛ فضحته معاصيه. (حسام
الشلقامي)
ـ غابة: لبسَ قناعَ حمل؛ أكله أبناؤه. (راسم
الخطاط)
ـ قناع: ظنها عصاً يتوكأ عليها؛ وجدها حية تسعى.
(أحمد الجيزاوي)
ـ مُقنّع: يحارِب
السلطة نهارا، يستدفِئ في أحضانها ليلا. (Najib El Khaldi)
ـ فتنة: تسابقوا إليها
عيانا؛ صادتهم من وراء حجاب. (أحمد آل سعد)
ـ استنكاف: خلع
العمامة، جعلها كمامة. (مجدي شلبي)
ـ قِناع: تناثرت شظايا
المِرآة؛ رأى كل وجوهه. (Hayder Siddig)
ـ مُدَاهِنٌ: عاشَ
بوُجوهٍ مُتعدّدةٍ؛ قضَى دونَ ملامحَ. (أسمهان الفالح)
ـ فضيحة: عرّوه؛ تستر
بهم. (مجدي شلبي)
ـ فساد: تستّر بماله؛
تعرّى بأعماله. (هالة مهدي)
ـ زواج: تستر بأموالها؛
تعرت لغيره. (حاتم عاطف)
ـ فشل: تستَّر على
مصيبته؛ فضحه جَزَعَهُ. (راسم الخطاط)
ـ جزاء: تستر على
جرائمهم؛ اتهموه بها. (أحمد فؤاد الهادي)
ـ تستر: عَرَّت الفساد؛
اتهموها بالعهر. (مجدي شلبي)
ـ تستر: أخفوا الفاعل؛
فضحهم المفعول به. (مصطفى علي عمار)
ـ تستّر: فضحهم ظلّهم؛
تقنّعوا. (حورية داودي)
ـ وهم: تستر بالرياء؛
بانت عورته. (إبراهيم مشلاء)
ـ عُرِي: تسترَ
بأفْخَمَ قمَاش؛ فضحهُ أَولَ نِقاش. (على الهادى على)