قراءة في الومضة القصصية الفائزة بالمركز الأول
في المسابقة الأسبوعية (أول الأوائل) رقم 3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خيرى الأزغل
قيود
أطلق لحيته؛ أمسكت به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (قيود): جمع قيد: تصفيد، أسر، تكبيل...
و تتعدد وسائل و طرق و أدوات (القيود)، سواء
كانت:
* (قيود مادية):
ـ منها (قيد الأسير): سلسلة من حديد يُربط بها
فتقيده:
"و حول يدي قيد لست أذكر عمرهُ..." (فاروق
جويدة)
"سنحطم قيد الجلادْ *** وسنرجع ضحكات الدورْ"
(طلعت سقيرق)
ـ أو (قيد الدابة): حبل يُجعل في رجل الدابة
فيعقلها:
"قال رجل للنبي صلّى الله عليه و سلّم: يا رسول
الله أترك ناقتي و أتوكل، أو أعقلها و أتوكل؟ قال: (بل اعقلها و توكل)" (حديث
شريف).
* أو (قيود معنوية):
ـ (قيد المرارة و اليأس و الشقاء):
"أي قيد من المرارة واليأ *** س أظلّتك يا كئيب
يداه؟" (نازك الملائكة)
"لهفي على المحتاج بين ربوعكم *** يمسي و يصبح
و هو قيد شقاء" (إيليا أبو ماضي)
ـ (قيد اللسان و اللحية):
من الأمثال العامية: (لسانك حصانك, إن صنته؛
صانك، و إن هنته هانك)
و من أبيات الحكمة يأتي:
"لسانك ما بخلت به مصون *** فلا تهمله ليس له
قُيود"
و يأتي متن الومضة القصصية المعروضة:
(أطلق لحيته؛ أمسكت به.)
متناولة (قيد اللحية): التي أطلقها التزاما بما
أوصانا به رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم: (قُصُّوا الشّوارب وأَعفُوا اللحى).
فأمسكت به اللحية: بمعنى منعته عن الحرام.
قال عمر رضي الله عنه: (ربيتها؛ فربتني).
و معلوم أن اللِحيةُ: الشّعْر الذي ينبت على الخدين
والذَقن، و الجمع: لِحىً. قال سيبويه: النسب إليه: لحويّ، و رجل ألحى و لحيانيّ: طَويل
اللحية.
وقال ابن القيم في فوائد اللحية: (و أمّا شعر اللحية
ففيه منافع؛ منها: الزينة، و الوقار، و الهيبة، و لهذا لا يُرى على الصبيان و
النساء من الهيبة و الوقار ما يُرى على ذوي اللحى، و منها: التمييز بين الرجال و
النساء).
و من أبيات الحكمة:
يا جاهلا أمر اللحى *** متجاهلا لجمالها
متناسيا أمر النبي *** معظما من شأنها
قص الشوارب واجب *** و اعفوا اللحى لوقارها.
علما بأن: "للعلماء في حلق اللحية ثلاثة أقوال:
قول بالتحريم و هو الذي ذكره ابن تيمية و غيره. و قول بالكراهة و هو الذي ذكر في الفتح
عن الفقيه المالكي أبو الفضل عياض ولم يذكر غيره. و قول بالإباحة و هو الذي يقول به
بعض علماء العصر".
هكذا: رحمة الأمة؛ باختلاف الأئمة.
و بالعودة للصورة البلاغية الواردة في الومضة
القصصية (أطلق لحيته؛ أمسكت به). نجدها فضلا عن جماليات تلك المقابلة، تحمل رسالة
ضمنية مفادها: يا من أطلقت لحيتك؛ أحسن علاقتك بها؛ فليس المطلوب أن تطلقها فقط، و
لكن الأهم أن تتقيد بها؛ فتمسكك عن الحرام.
ومضة قصصية توافقت مع ما أرسيته من أسس و ما
وضعته من معايير و ضوابط لهذا الفن الأدبي الذي ابتكرته من خلال المزاوجة بين فن
أدبي تراثي هو: (أدب الحكمة/ التوقيع الأدبي) و أدب حداثي هو: (فن القص)؛ فأضحى
(حكمة قصصية) أو (ومضة قصصية)؛ باعتبار أن (الومضة): هي الحكمة المجردة، و (القص):
هو الثوب الذي يحيط بالنص ليخرجه من تقريريته.
فاستحق كاتب هذه (الومضة القصصية) المعروضة أن
ينال المركز الأول عنها في مسابقة أول الأوائل رقم 3 لعام 2019
و لا يفوتنا قبل أن ننهي تلك القراءة حول اللحية،
أن نعرض لبيت شعر طريف لأبي العتاهية:
"حُلقت لحية موسى باسمه *** و بهارون إذا ما
قلبا"
و هو تجنيس اشتقاقي للمعنى من الاسم: (موسى
الاسم، و موسى أداة الحلاقة) أراد أن يقول: (حُلقت لحية موسى بموسى!)، فلم يوافقه الوزن،
فاشتق المعنى من الاسم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوال مأثورة ذات علاقة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ رجل بدون لحية، كالقهوة بدون رائحة.
ـ تعشق لحيتي المهملة فأخبرها إني سأحلقها لتغضب؛ فأنا أعشق نبرة صوتها
الغاضب.
ـ لا تخدعنك اللحى و الصور.
ـ أرني لحيتك، أقل لك من أنت.
ـ بوس الأيادي: ضحك على الدقون.