قراءة في الومضة القصصية (صدفة) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة
الأسبوعية رقم 15 (أول الأوائل لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد نصار
صدفة
تعثرت قدماه؛ وجد الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (صدفة): عَرَضًا (دون تدبير)، على غير انتظار، و من دون توقع؛ يقول (زياد آل الشيخ):
صدفة *** أتيْتيني على غفْلَة.
و قد تكون الصدفة شرا؛ يقول (واسيني الأعرج): "الصدفة
أحياناً تكون قاسية، ربما قاتلة؟". (كالغدر: صدفة غير متوقعة بالنسبة للمغدور)، و قد تأتي الصدفة بالخير
(التلاقي بغير توقع بين الأحبة)؛ يقول (وحيد خيون):
صدفة ً كانَ تلاقينا العجيبْ *** و استهَلّتْ بهجة
ٌ في داخل ِ القلبِ الكئيبْ.
و يقول المثل: (رُب صدفة خير من ألف ميعاد).
و نود الإشارة هنا إلى أن (الصُدَف) غير (الصُّدُوفُ)،
التي وردت في محكم التنزيل بمعنى الميل و الإعراض عن الشيء: (سنجزي الذين يصدفون
عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) الآية 157 من سورة الأنعام.
فعن أي (صُدفة) تخبرنا الومضة القصصية المعروضة؟:
ـ (تعثرت قدماه) و هو حدث ـ في حد ذاته ـ عارض و غير متوقع، و (التعثر)
هنا يجمع بين المعاني المباشرة: (الانزلاق، السقوط و الفشل)، و بين الكناية عن: (الضياع
و التيه)؛ يقول (صباح
الحكيم):
(فكل) غريب *** أضاع الطريق و تاه تعثر.
فما كان من هذا التعثر إلا أن أفاقه، و هداه:
ـ فـ (وجد الطريق)
تلك الإفاقة أيقظت فيه العزم، لمواصلة السير نحو
الهدف، و جعلته كما يقول (حيدر بن سليمان الحلي):
(ينسى) الهجوع و من تيقظ *** عزمه ينسى هجوعه.
و هو ما يؤكد أنه لم يهتدِ للطريق بمحض الـ(صدفة)،
بل نتيجة عدم استسلامه للفشل (التعثر)؛ يقول (بشار بن برد):
قاسِ الهمومَ تنلْ به نُجحا *** و الليلَ إِن
وراءه صُبحا.
و يؤكد المعنى (خليل مطران):
اعتزمْ وكدَّ فإِن مضيتَ فلا تقفْ *** و اصبرْ و
ثابرْ فالنجاحُ محققُ.
و أقول في توقيعي الأدبي: (الفشل ليس نقيض
النجاح، بل هو مرحلة مهمة من مراحله).
و يقول (دافيد سارنوف): "كن
بالطريق الصحيح، مهما كانت خطواتك بطيئة (أو متعثرة)".
كما ينبغي ألا تركن لما حققته من نجاح، في انتظار صدفة أخرى تنهضك من
سقوطك، و تقيل عثرتك؛ يقول
(ويل روجرز): "حتى لو كنت في الطريق الصحيح؛ فلن تصل إلى شيء لو استمررت في
الجلوس هناك".
و هي الرسالة الضمنية التي أراد الكاتب توصيلها
من خلال ومضته القصصية، اتساقا مع ما ذكره (وليم جينيتريان):
"المصير ليس مسألة صدفة, إنه اختيار، إنه ليس شيئاً يجب انتظاره, إنه شيء يجب
صنعه".
و يؤكد هذا المعنى ما يقوله (توماس أديسون): "أنا
لم أفعل أي شيء عن طريق الصدفة، و لا أي من اختراعاتي جاءت عن طريق الصدفة، بل
جاءت عن طريق العمل".
و يقول (سومرست موم): "النجاح يحظى به
الذين يسعون و يكدون؛ لا شيء يتحقق بالصدفة". يقول بيت الحكمة:
عقبَ الصبرِ نجاحٌ و غنى *** و رداءُ الفقرِ من
نَسْجِ الكَسَلْ.
و حيث أننا نؤمن بالغيب؛ فدفاتر الغيب لا تعرف
(الصدفة) أيضا؛ يقول (خيري شلبي): "إن الصدفة هي نتاج لحركة قانون غير مرئي
لنا".
و يقول (سعود السنعوسي): "لا مكان للصدفة في
أقدارنا".
و يقول (نجيب سرور) في مسرحيته الشعرية (أفكار
جنونية في دفتر هاملت):
ما من شيء في الدانمارك، يحدث صدفة
كل المنسوب إلى الصدف مدبر
كي يبدو من فعل الصدفة.
و هو ما يقودنا حتما إلى العلاقة بين (القدرية)؛
يقول بيت الحكمة:
انظرْ إِلى الأيامِ كيفَ تسوقُنا *** قَسْراً
إِلى الإِقرار بالأقدارِ.
و بين (التدبير
المسبق، و ما يبدو مصادفة)؛ يقول (مصطفى محمود): "كلما أعيتنا الحيلة في فهم
شيء قلنا إنه حدث (صدفة)".
فالصدفة
كما يقول (منذر القباني) : "هي تبرير الجاهل لما لا يفقه".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوال مأثورة ذات علاقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ أعظم
لذة أعرفها هي ان أعمل عمل الخير خفية ثم أراه يظهر (صدفة). (شارلس لام)
ـ أي (صدفة)
تلك التي تعطي كل المميزات لخلق، و تمنعها عن باقي الخلق!. (أحمد زين)
ـ في
مجال الملاحظة لا تنحاز (الصدفة) إلا إلى الذهن المستعد. (لويس باستور)
ـ دائما تأتى (الصدفة) بأفضل الف مرة مما يأتيه
الترتيب. (حسن كمال)
ـ كلما
ظننا أن الحياة انسحبت من بين أناملنا، تأتي (صدفة) جميلة تجعلنا نغير رأينا. (واسيني
الأعرج)
ـ ربما تقودك (صدفة) لم تكن تفكر بها إلى واقع
لم تكن لتفكر به. (جبران خليل جبران)
ـ إن إلهاماً في داخلنا يدفعنا أحياناً إلى الطريق
الصحيح الذي يجب أن نسلكه. (يوسف السباعي).