ملامح الومضات القصصية
بقلم الأستاذ: حميد ركاطة (قاص وناقد من المغرب)
الومضات
القصصية تبلغ ذروتها من خلال ربطها بعتباتها لتشكل نهايات عاصفة. و هو اشتغال يتم
في حيز جسد ضامر جدا، يرتكز على مفارقات عديدة، و بلاغة الحذف و الإضمار، لتوليد
سياقات جديدة؛ لإجبار القارئ على ملء فراغات النصوص للمساهمة في توليد دلالتها
الجديدة، هي نصوص بقدر ما تبرز زيف الشخوص و ادعاءاتهم و كذبهم، تخترق نوايا بعضهم
بتحويلها إلى مجرد أقنعة شفافة لتبرير أخطاء تم تعليقها على مشجب واهم؛ فهي بقدر
ما تحيل على فظاعة الواقع تعمل على الفضح و التعرية. كما تتحول العتبات إلى مفاتيح
إجبارية للكشف عن طبيعة القفلة النهائية، و هذا أمر يشكل إضافة في بناء الومضة بما
تضفيه أبعادها الدلالية و الرمزية، و بما تشكله محوريتها في تحريك سياقات ذات مرامي
مضمرة.
إننا
إزاء نصوص تروم اختزال العالم من خلال تحريك سياق النص خارج المألوف و المعتاد
ارتكازا على توظيف تقنيات الميتاقصة أو بتناصها مع المسرودات الطويلة من حيث
الايحاء بإماضة بارقة و سريعة، لتكشف عن استلهامها لدلالاتها الجديدة المتوارية.هكذا
نلمس مدى الهالة التي تكتسبها الأشياء البسيطة من قوة تدميرية و هائلة و هي تفرغ
أخرى أكبر منها من رمزيتها الدلالية و
الكونية، لتبني على أنقاضها معالم جديدة في سياقات مغايرة؛ فالفرجة تتحول مثلا إلى
فسحة لإبراز السخرية من البؤس و من الذات و الواقع و المواساة إلى نوع من الحسد أو
رغبة في المجاسدة.
إن
الملمح الساخر بقدر ما يفجر الضحك يتحول بمفارقاته إلى مؤشر على الحزن و القتل و
الإحباط ليعلن عن كتابة جريئة بميسم خاص و لغة قوية و بناء متين. في حين تبرز شخوص
الومضات القصصية مبهمة الملامح، ممسوخة، و محكي عنها تظل مضمرة ضمن طيات عديدة، أرغمتها على الغياب
المتعمد أو كتعبير عن التهميش أو إصرار على الرفض و الإقصاء الذي طالها.
لنستخلص
أن الانتقاد الساخر بقدر ما يوجه لشخوص مبهمة يوجه في الواقع لمنظومات بأسرها، و
لبنيات المجتمع عموما، و للزيف الذي يلف
مظاهر الحياة.إن
هذا الاشتغال الواعي يحافظ على مقوماتها و إيقاعها السريع و العاصف، لتكشف خصائص
مهيمنة و جلية دالة على سخرية الموقف المفعم بالوخز حينا، و التأمل حينا أخر في
مواجهة فظاعة الواقع ، و اللحظات الحياتية المنفلتة من عقال الزمن الهارب.
"إن
الومضات القصصية هي وخزات قصصية ساخرة، و ساحرة جدا، لا غروة أنها ستسيل الكثير من
المداد، و تثير الكثير من الأسئلة حولها في المشهد القصصي المصري، و العربي على
السواء."