قراءة في الومضة القصصية (استئثار) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة الأسبوعية رقم 14 (أول الأوائل
لعام 2019)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خيرى الأزغل
استئثار
اختلفوا على جرة العسل؛ فاز بها الذباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (استئثار): حيازة، سيطرة،
أثرة، أنانية، استحواذ، التقاط، امتلاك، اكتساب، (جني)؛ نقول: (الجَني من الثمر:
الذي جُني و قُطف لساعته) يقول المثل: (أَصفَى مِنْ جَنَي النّحْلِ)، و يقول بيت
الحكمة:
صبرتُ ومن يصبِر يجد غِبَّ صبرِه ***
ألَذَّ وأحْلى من جني الشَّهدِ في الفمِ.
أما (جَنَّ الشيء: فتعني ستره؛ جَنَّ
الليل: أظلم، جَنَّ عليه الليل: ستره، و قد سُمي (الجِنُّ جنا) لاستتارهم و اختفائهم
عن الأبصار؛ و منها أتت كلمة (جناية)؛ لعلاقتها بالذنب المستتر: (جناية لم يدر ما
كنهها جانٍ).
و سُمي (الجنين جنينا) لاستتاره في
بطن أُمه، و سُمي (القبر): (الجَنِينُ) أيضا!...
فعن أي (استئثار) أو (جني)؛ يحدثنا
متن هذه الومضة القصصية المعروضة؟:
يبدأ الشطر الأول بكلمة (اختلفوا)؛ فنضطر للسؤال
اتساقا مع ما قاله (أحمد شوقي):
ـ إلام الخلف بينكم إلاما *** و هذي الضجة
الكبرى علاما؟.
ـ (على جرة العسل)، و هي مجرد رمز لأشياء مادية
يريد كل منهم امتلاكها، و الاستحواذ عليها؛ فكانت نتيجة تلك المحاولة (الجائرة)
للاستئثار بـ (جرة العسل)؛ أن (جرت) عليهم نتيجة غير متوقعة، مفادها أنها كُسرت؛
فسال عسلها، و من ثم:
ـ (فاز بها الذباب)!.
و هكذا غلبهم الذباب؛ ليس لقوة فيه، لكن لأنانية فيهم؛
يقول (محمد حسن أبو المحاسن):
مددت يداً لاجتناء القطوف *** و لكنها
ليست الدانية
فلا أنت نلت جني الثمار *** و لا سلمت
يدك الجانية
و يقول (مخلص ونوس) واصفا حال كل مستظل
بأنانيته:
يلوذ بحلم قتيل، *** و لا فيء إلا
شجار الكلام!.
ويضيف (ابن شهاب):
و من أنت يا مسكين حتى تنازع...
فلا أحد منهم نال مأربه من ذلك
الاختلاف؛ بل خسروا جميعا، و هو ما أراد أن يوصله كاتب هذه الومضة القصصية المعروضة
من حكمة، يضاف إليها أن ما من اختلاف في الحياة يدوم؛ يقول (عبد الغني النابلسي):
فيا نفسي الأمارة اتئدي هنا *** (فلا)
نزاع في الحياة يدوم.
و قبل هذا و بعده يأمرنا الحق في محكم
التنزيل: (... وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ...) الآية 46من
سورة الأنفال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقوال مأثورة ذات علاقة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ يسمى شريرا كل من لا يعمل إلا
لمصلحته الذاتية. (بوبليليوس سيروس)
ـ يتصور الطحان أن القمح إنما ينمو
لتشغيل حانوته. (غوته)
ـ الأناني يرفع شعار: دمار العالم و
لا خدش في أصبعي. (ديفد هيوم)
ـ لستم بأكفائنا لنكرهكم, و في عداء
الوضيع ما يضعُ. (تميم البرغوثي).
