قراءة في الومضة القصصية (عمى) الفائزة بالمركز الأول في المسابقة
الأسبوعية رقم 20 (أول الأوائل لعام 2019)
ــــــــــــــــــــــــــــ
خيرى الأزغل
عمى
تاه؛ اتخذوه دليلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العنوان (عمى): و هو لفظ يدل على (فقدان
الرؤية)؛ يقول (عمر حسني):
عيرني يا أعمى و العمى قدر *** و ما
لنا بأقدارنا اختيار
وإن كنت أعمى عمى البصر *** فهناك
أعمى رغم إبصار.
يقول الحق في محكم التنزيل: (فإنها لا
تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الآية 46 من سورة الحج.
و هكذا يتضح أن للفظ (عمى) دلالات
أخرى منها:
ـ الإخفاء، و التلبيس؛ يقول الحق في
محكم التنزيل: (وآتاني رحمة من عنده فعماها عليكم) الآية 28 من سورة هود.
ـ و قد تأتي بمعنى: الغي، التيه و
الضلال؛ يقول الحق في محكم التنزيل: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)
الآية 17 من سورة فصلت.
يقول (حسان بن ثابت):
وهلْ يَستوي ضُلاّلُ قوْمٍ تَسَفّهوا
*** عمىً، و هداة ٌ يهتدون بمهتدِ؟.
ـ و إذا كان (عمى العقل و التفكير): يعني
ـ إجمالا ـ عدم القدرة على التمييز و الإدراك؛ فالمدهش أن هذا اللفظ (عمى) من
الأضداد (يدل على المعنى و ضده)؛ ورد في معجم الغني:
ـ (عمى إِلى هدفه): ذهب إِليه لا
يخطئه.
و قد سبق أن نشرنا عددا قليلا من
الومضات القصصية؛ التي تتناول لفظ (عمى) بمعناه المتداول:
ـ أعمى: أرشدوه؛ صحَّحَ مسارهم. (راسم
الخطاط)
ـ توق: فقدت بصرها؛ رأتهُ بقلبها. (يحيى
القيسي)
ـ مشاهد: أصابه العمى؛ هنأه المبصرون.
(مجدي شلبي)
و ها هي الومضة القصصية المعروضة تبدأ
في شطرها الأول بكلمة (تاه): و تأتي بمعنى (تاه: اختال كِبرا)، و (تاه: ضل السبيل)،
و هي ـ كما ذكرنا آنفا ـ مرادفة للعمى لفظا و معنى.
وهم عندما يدركون حقيقة بيتي الحكمة:
الناس في حاجة للمرشدين و هل *** يوما
بغير دليل يهتدي السفر
و الناس في حاجة دوما لذي ثقة ***
بنفسه ليقيهم ما به عثروا.
فماذا كان منهم تجاه من (تاه)؟ هل (أرشدوه)
إلى الطريق بمعناه المادي و المعنوي؛ اتساقا مع ما قاله (فاروق جويدة): "إذا
تاه دربي فأنت الدليل..."؟:
يفاجئنا الشطر الثاني بأنهم:
(اتخذوه دليلا)!.
و هم هنا إما أن يكونوا قد اعتمدوا
على (بصيرة من فقد البصر) فاتخذوا بصيرته دليلا؛ تلك (البصيرة) التي سبق أن كانت
عنوانا لومضات قصصية عديدة منها على سبيل المثال:
ـ بصيرة: أغمض جفونه؛ أبصر. (محمد
الشطوي)
ـ بصيرة: عيروا الكفيف بعصاه، و تتبعوا
خطاه. (حسام شلقامي)
ـ بصيرة: ضعُف البصر، اتّضحت الرؤيا.
(هالة مهدي)
ـ بصيرة: أخفى عينيه؛ أبصر سوادهم. (محمد
أبو ممدوح)
ـ بصيرة: لحظة وفاته، اكتشف أنه أعمى.
(حارس كامل يوسف)
ـ وعي: نادى المبصرين؛ استجاب
العميان. (محمود عبدالله)
ـ بصيرة: فقد البوصلة؛ قاده العميان. (محمد
نور بنحساين)
و إما أنهم بلا رأي و لا رؤية؛ فسلموا
قيادهم و استسلموا لمن (تاه)، و كأنهم قطيع يتبع الراعي حتى لو كان ضالا مضلا؛ يقول
ويليام وردزورث: "العادة تقود القطيع الذي لا يفكر"، و يقول بيت الحكمة:
إِذا كنت من كُلِّ الأمورِ على عَمىً ***
فكنْ هكذا أرضاً يطاكَ الذي يَدْري.
و من ثم فتحت الومضة القصصية الباب للتأويل،
و لم تغلقه على دلالة وحيدة، و تلك سمة مميزة لهذا الفن الأدبي الذي ابتكرته و
أرعاه و أدعمه، و أدافع عنه ضد العشوائية و الارتجال.
و هكذا نجد أنفسنا حيال ومضة قصصية نموذجية؛ حازت ـ عن جدارة و
استحقاق ـ مركزا متقدما من بين العديد من النصوص، متمنيا أن ينجلي الغبش الذي يحجب
رؤية كثير من الكتاب و النقاد حول ماهية هذا الفن الأدبي المستقل و المتفرد و
المتميز عن باقي الفنون الأدبية الأخرى.